تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » رسالة إلى الأيامى الحياة الزوجية

رسالة إلى الأيامى الحياة الزوجية

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رسالة إلى الأيامى

1- قال الله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ لرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) صدق الله العظيم.

اتخذت من الحياة مدرسة للتأمل والتعلم ، فأنا ألاحظ بدقة كل ما يجري فيها من مواقف وأحداث وأضع النتائج على ضوء الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، ألم يسمها الكثير من المفكرين مدرسة الحياة ، ففي المدرسة نتعلم الدروس لنواجه الامتحانات أما الحياة فنواجه فيها الامتحانات لنتعلم الدروس ، فأنا اليوم قرأت في إحدى الصحف عن رأي لفتاة متذمرة وساخطة كيف أن بعض الفتيات اللواتي يمتلكن القدر البسيط من الجمال والعلم وربما حتى الدين ويوفقهن الله للزواج بأزواج مثقفين وذوي شهادات، بينما اللواتي لديهن الشهادة العلمية والجمال والالتزام يظللن بدون زواج ، لكن من الممكن أن تكون هذه الفئة الأخيرة من الفتيات قد تأخر زواجهن لأنهن تشترطن الكثير من المواصفات في النصف الآخر وتنتظرن الأفضل إلى أن تقدم بهن السن دون زواج…، وإن كان ليس هذا هو موضوع النقاش في هذه الرسالة ، فما أريد الإشارة إليه أنه لا ينبغي لأي واحدة من الفتيات اللواتي تأخر زواجهن أن تحكم عقلها ومنطق فكرها في الحكم على مثل هذه المسائل لأن الأمر في غاية الخطورة ، إنها مبارزة لله في ربوبيته ، فهذه الأرزاق يقسمها الله كيف يشاء وعلى من يشاء ، لأن الله الحكم العدل يقول :" إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ لرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا "الإسراء ، وليس المقصود بالرزق المال فحسب بل المنصب ، الجاه ،الزوجة ،الزوج ,الصحة …كلها أرزاق ، وإن كان جوهر الرزق الحقيقي هو الإيمان بالله والعمل الصالح ، وقال أيضا : "لَا يُسْـَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـَلُونَ "الأنبياء 23

أيتها الغالية …اعلمي أن لله الحكيم الخبير الحكمة البالغة في كيفية توزيعه للحظوظ والأنصبة والهبات والملكات، وهذه الحكمة تعجز عقول البشر عن إدراكها ،وكأنك لست راضية بالله ربا وأنت كل يوم ترددين في أذكار الصباح : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا صلى الله عليه وسلم ( فلابد من مواطأة القلب اللسان وقت الذكر أو بعبارة أخرى : تجاوب المشاعر مع اللسان ) قال صلى الله عليه وسلم: " من قال إذا أصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فأنا الزعيم لآخذن بيده حتى أدخله الجنة" الترغيب والترهيب – 1/309حسنه الألباني، ولماذا لا تتعبدي أيتها المحبة لله ولرسوله باسمي الله المانع المعطي وتحرصي على هذا الدعاء بعد السلام من الصلاة ، والذي نقول فيه :"اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"البخاري 7292

ثم إن هذه الفتاة المسكينة قليلة الحظ في الجمال والعلم في تقديري هي من تستحق أن ترزق زوجا بمواصفات جيدة، فلماذا يجتمع عليها قلة الحظ في الوضاءة والشهادة العلمية وعدم الزواج في آن واحد؟

2- وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ

عزيزتي…اعلمي جيدا أن الزواج ليس فريضة تحاسبين على التفريط فيها ، وإنما هو سنة من سنن المصطفى ، صلى الله عليه وسلم وليس لك يد في تحقيقها ،إن شاء الله قدرها لك وإن لم يشأ لم يقدرها : وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) الإنسان ، هل خلقت من أجل أن تتزوجي وتنجبي أبناء؟، هل هذه هي الوظيفة التي من أجلها وُجِدْتِ ؟، فالله عز وجل قال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)الذاريات ، ولم يقل : وخلقتكم أيها الناس لتتزوجوا وتتناسلوا…فلا ينبغي لك أن تغادري ساحة العبودية أبدا مادام فيك نفس يتردد وعين تطرف ،إذا كنت زوجة فأنت العابدة القانتة، وإذا لم يقدر لك الزواج فأنت العابدة أيضا ، بل وازدادي عبودية للباري عز وجل لتسبقي كل من تزوجت، بحبك لله وشوقك إليه ورغبتك في ما عنده …فليكن شعارك دائما وأبدا :لن يسبقني إلى الله أحد

ولماذا لا تستثمري هذا الوقت بعدم وجود زوج في حياتك في طاعة الله والتقرب إليه وحبه والأنس به ،إن في ذلك السعادة الحقيقية التي غفلت عنها الكثير من الفتيات اليوم ، وإن المستأنس بالله مستوحش من خلقه، تذكري حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتكصحيح. الترغيب 3355 ،ولِم لا يكن همك تعلم أمور دينك وحفظ كتاب ربك والإبداع في مجال تخصصك؟سطري لك برنامجا مشحونا بكل أنواع القربات : ( ذكر، تلاوة، نوافل الصلاة، قيام ليل، صلة الأرحام ، زيارة المريض،قضاء حوائج المسلمين….) ، لو سلكت هذه السبيل تيقني أنك سوف تنسين أن هناك شيء اسمه الزواج

يا سامية المقام يا تقية …ربما قد أقامك الله في التجريد ،أي في حالة من التعبد والتقرب إلى الله بشتى الطاعات وفي كل الأوقات وأنت تريدين عالم الأسباب المتمثل في الزواج والإنجاب ،إن كانت هذه حالك فاعلمي أن هذا دليل على انحطاط في همتك وقصور منك في طلب معالي الأمور وجلائلها ، وفي الحقيقة هذا ليس قولي وإنما هو قول العارف بالله ابن عطاء الله السكندري رحمه الله فهو القائل:"إرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية…"ألا تريدين أن تكوني رابعة العدوية للقرن 21 ؟ إن كنت كذلك فأنا سوف أزورك إن شاء الله ذلك لأتعلم منك كيف أعرف الله وأحبه ،وأسألك عن مراتب العبودية التي بلغتها وعن أحوالك مع الله ومقامات معرفتك به سبحانه،فبدلا من أن تندبي حظك وتقولي تقدمت بي السن ولم أظفر بزوج، قولي انقضى عمري ولم أتأهب للقاء الملك جل جلاله ،أفيقي يا غاليتي إن العمر فرصة واحدة ولن يتكرر..

3- السيدة مريم عليها السلام أروع مثال

ولك في السيدة مريم عليها السلام أروع مثال وأفضل نموذج للمرأة المتبتلة التي لم يكن همها إلا السجود والركوع لله رب العالمين ،ولم تكن تحلم تلك العذراء بزوج مثالي يسعدها ويحقق أحلامها الوردية ..كما هو حال كل الفتيات ،هذه البتول العفيفة لم تكن ذات زوج ومع ذلك اصطفاها الله على نساء العالمين :" وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران ، ولقد عدَّها النبي صلى الله عليه وسلم من بين النساء المثاليات والنادرات قال صلى الله عليه وسلم : "كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء : إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" البخاري 3769 ، وانظري إلى علو همة السيدة آسيا زوجة فرعون رضي الله عنها، لم تقل في دعائها اللهم بدِّلني زوجا صالحا خيرا من فرعون، وإنما اختارت جوار الله وبيتا في جنات الخلد قال الله عز وجل : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) التحريم، فحُقَّ لهاتين المرأتين أن تكملا وتكونا لنا قدوة نحن نساء هذا العصر الغريب الذي انقلبت فيه الموازين وتغيرت فيه المفاهيم والتصورات …

بالمناسبة ،أود ان أخبرك أنني أشتاق إلى رؤية هاتين السيدتين العظيمتين :سيدتي مريم وسيدتي آسيا ولقاءهما في الجنة ،من المؤكد أنهما رائعتا الجمال وشديدتا بياض الوجه"هذا ما أظنه وهو من وحي خيالي..والله أعلم . لأن الله الجميل الجليل غالبا ما يجمع للصالحات حسن الخَلق وحسن الخُلق، والبياض نصف الحسن، ومن النساء العظيمات اللواتي جمعن بين هاتين الصفتين –بحسب علمي-: سيدات التاريخ: أمنا حواء ،سارة زوجة سيدنا ابراهيم عليه السلام، زوجات الحبيب صلى الله عليه وسلم: مارية القبطية ،عائشة،جويرية ، زينب بنت جحش ، والآن لنعد إلى موضوعنا :

4- وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ

أليست نية المرء خير من عمله ،فمن اليسير جدا أن يكتب الله لك أجر زوجة طائعة لزوجها ومربية لأبناء صالحين بعقدك النية على ذلك، بأن تقولي مناجية ربك :يا رب لو كان لدي زوج لأطعته مثلما علمني رسولك صلى الله عليه وسلم ،ولو كان لدي أبناء لربيتهم على اتباع نهجك وهدي خليلك صلى الله عليه وسلم

أمَا قرأت قصة أحد السلف الذي كان يسأل الله الغزو فهتف هاتف به:أنك إن غزوت أُسرت وإن أسرت تنصرت..، تصوري إنه الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام ألم يقل الحبيب صلى الله عليه وسلم: "… رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد.. ." صحيح الترمذي2616، وهو من أفضل العبادات ،لكن في حال هذا الرجل الصالح سيكون الجهاد وبالا عليه ذلك أنه سيرتد عن الإسلام ،وأنت أيضا قد يكون في زواجك أضرارا مغيبه عنك لا يعلمها إلا علام الغيوب ضعي دوما هذه الآية نصب عينيك : وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216 ) البقرة

لعل في هذا الزواج فتنة لك في دينك،وربما تسبب في بعدك عن الله وتضييع واجباتك الدينية بالكلية ، سأعرض عليك اختيارين وانظري أي الحياتين تريدين : أن تستمر حياتك بدون زوج وفي صحة وعافية وطاعة لله.. ،أم أن تتزوجي وبعد زواجك بمدة…يقدر الله عليك بلاءً لم يكن في الحسبان، كفقدان البصر أو فشل كلوي أو مرض عضال يقعدك الفراش..، لا تنسي أنها دنيا: دار امتحان وابتلاء لا دار تنعم وتَرَفُّه..،…ولأضرب لك مثالا آخر :ربما تزوجت وأنجبت عددا من الأبناء كلهم..، أقول كل أبناءك أكِفَّاء أو مشلولين شللا رباعيا ، ولو شاء الله لجعلهم أيضا صما بكما عميا لا يعقلون..، أنا سمعت قصصا كهذه، إذا اتركي الاختيار لله الحكيم الخبير ولا تعترضي على قضاءه وقدره لأنه الأعلم بمصلحتك، ولو اطلعت على الغيب لاخترت الواقع

5- بشرى

والآن هذه بشرى أزفها لكل فتاة لم ترزق بعد بزوج صالح إذا كان والداك على قيد الحياة ،فالزمي أقدامهما واسعي إلى البر بهما لنيل رضاهما ودعوات الخير التي لا يفتر لساناهما عن الدعاء بها فتضمني الدخول من أحد أبواب الجنة الثمانية

أعلم حبيبتي أنك تريدين أن يكون لك زوج صالح فتحسنين تبعله لتكوني كالمجاهدة في سبيل الله وتنجبين أبناء فيصحبوا علماء ربانيين ورجالا أفذاذا ،لكن حياة الوالدين أيضا فرصة للبر بهما وهو جهاد في سبيل الله أيضا وهما طريقك لنيل أعلى الدرجات في الجنة، فاحرصي على استمثار حياتهما أمثل استثماره، فوالله ثم والله إن قدر الله عز وجل وأن مات أحد الوالدين فستندمين ندما منقطع النظير لأنك لم تحسني التعامل معهما ولم تفوزي ببرهما ورضاهما في حياتهما ، تأملي حديث الحبيب : رغم أنفه . ثم رغم أنفه . ثم رغم أنفه . قيل : من ؟ يا رسول الله ! قال : من أدرك والديه عند الكبر ، أحدهما أو كليهما ، ثم لم يدخل الجنة مسلم2551

أما إن كان والداك ممن قد غادر الحياة نسأل الله أن يرحمها ويطيب ثراهما ،فما تزال الفرصة متاحة للبر بهما ،فما عليك إلا أن تكثري من الدعاء لهما بطلب الرحمة والمغفرة لترفعي درجتيهما في الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل لترفع درجته في الجنة ، فيقول : أنى [ لي ] هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك السلسلة الصحيحة 1598

أنا من وجهة نظري أن عرس المِؤمنة الحقيقي هو يوم موتها ، حينها تكون فرحة مبتسمة يتلألأ وجهها نورا وحبورا لأنها سوف تلقى محبوبها ذي الجلال والإكرام وقد عاشت طوال حياتها على أجنحة الشوق للقائه،عرسها حين ترى ملائكة الرحمة تبشرها بمكانها في الجنة وبرضوان من الله أكبر… ،فاعملي أخيتي لهذا اليوم الموعود

ولدتك أمك يا ابن آدم باكيـ ـا والناس حولك يضحكون سرورا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكا مسرورا

وفي الختام أنهي حديثي بهذه الكلمات المشرقة التي سوف تثلج نفسك وتشرح صدرك كثيرا:

أيتها الغالية .. ثقي أن الله رازقُك بالزوج الصالح الذي طالما حلمت به ،ولكن إن لم يقدر الله لك ذلك الآن فانتظري الفرج فأنت في عبادة ،وأحسني الظن بخالقك وكوني قوية اليقين،فأنت تتعاملين مع الله الكريم المنان الذي خزائن جوده لا تنفذ،وألحي في الدعاء في الأوقات الفاضلة ،ولكن لا تعجلي ولا تنسي الاجتهاد في الطاعات وتذكري دوما قول أحد العارفين : من كان لله كما يريد أعطاه فوق ما يريد

قالت إحدى أخواتنا تخاطب فتاة تأخر زواجها : أنت لؤلؤة في أعماق البحار وعدم اصطيادها لا يقلل من قيمتها أبدا.

جزاك الله خير الجزاء

استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم وأتوب اليه

مشكورة اختي

يزاج الله خير حبيبتي

يزاج الله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.