تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الروابط العائلية

الروابط العائلية

• تقول الإحصاءات: أن معدل الرجال والنساء الذين يتزوجون في فرنسا لا يتجاوز السبعة أو الثمانية في الألف. (في قضايا الزواج والأسرة، ص137).

وتقول أيضاً: أن الرابطة الزوجية أصبحت أوهن من بيت العنكبوت، حتى أن محكمة بمدينة (سين) فسخت 294 نكاحاً في يوم واحد. (المصدر، ص138).

لماذا هذا الانخفاض الرهيب في نسبة الزواج؟ ولماذا هذه النسبة الضخمة في قضايا الطلاق؟

الواقع، أن الأنظمة المادية التي هاجرت قضايا الدين الأساسية، لم ولن تتمكن أن تضع العائلة في سياج متين يمنعها من الانهيار، فالدساتير الأسرية المادية لا تستطيع أن تعمل على توطيد العلاقات الزوجية، لأنها لا تستطيع أن تجيب على كل متطلبات الأسرة سواءً منها ما يرتبط بعلاقات أفراد العائلة أو ما يرتبط بالزواج وحده والزوجة وحدها، ومن الطبيعي في مثل ذلك أن يهرب الرجال والنساء من بناء حياة زوجية ما دامت تتسربل بالمأساة، والتعاسة، والفوضى بسبب تمزق الزوجين على أثر الانحرافات العريضة التي يفعم بها النظام العائلي الغربي، أما الإسلام فهو لا يترك الأسرة تسير حسب الأهواء، وتنجرف مع تيار العواطف، وإنما يرسم لها خطاً واضحاً في كل مجال من مجالاتها.. خطاً يحافظ على توازن البناء الأسري.. خطاً يوثق علاقات الحب والعطف والحنان فيما بين أفراد العائلة.

***

والعائلة المسلمة التي تريد أن تطبق قوانين الإسلام في الأسرة يجب أن تسودها الأمور التالية بشكل نبيل:

– الأول: تبادل الحب والعطف بين الزوجين من ناحية، وبينهما وبين الأولاد من ناحية أخرى، فإن الأسرة إذا غادرها الحب، وهجرها العطف لابد أن تتفاعل فيها عوامل الانهيار، والهدم، فتهدد مصير الأسرة، ولابد أن كل دقيقة تمر عبر حياة هذه الأسرة تنذر بأن تكون هي تلك الدقيقة التي تتحول فيها إلى ركام من أنقاض، ورماد، لأنها تكون دائماً على مسرح خطر معرّض للهيب النار ولفحات البركان.

إن الحب المتبادل يجب أن يرقد في قلب كل واحد من أفراد الأسرة، حتى يكون قنديلاً يضيء له الدروب الحياتية، وحتى يكون نبراساً لمسيرته نحو روافد السعادة، وينابيع الازدهار، ومنابع الخير والنعيم، ومن ثم يكون مشعل الحياة الفضلى في درب الحياة الكبير.

إن الحب المتبادل هو العامل الفعال الذي يدفع كل واحد من أفراد الأسرة إلى أن يتحمل مسؤولياته برحابة صدر، وبجذل وفرح طافحين، فكل واحد يشعر بأنه سعيد لأنه يتمتع بعطف الآخرين، وحبهم العميق، ولهذا فإن الإسلام يركز كثيراً على هذه النقطة.

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) مؤكداً ذلك: (إن الله عز وجل ليرحم الرجل لشدة حبه لولده) (الطفل بين الوراثة والتربية، ج2، ص126).

كما يؤكد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ذلك بقوله: (أحبوا الصبيان، وارحموهم) (المصدر السابق).

لأن الحب والرحمة عاملان أساسيان في توطيد العلاقات العائلية.

– الثاني: يجب أن يسود التعاون المشترك في المجالات المختلفة بين أفراد العائلة. لكي لا تشل الأسرة عن حيويتها، ونشاطها بصورة مستمرة، فإن التعاون يكنس الإرهاق، ويذيب التذمر من تحمل المسؤوليات. وكذلك. يوطد علاقات أفراد الأسرة بعضهم مع بعض. ولا يدع مجالاً لأن يتسرب التفكك إلى ربوع العائلة المسلمة التي تلتزم بمبدأ التعاون، والتكافل الاجتماعيين.

والتعاون بين أفراد العائلة لابد وأن يقود سفينة الحياة نحو مرافئ السعادة، ونحو موانئ الرفاه، والهناء، والدفء… التعاون لابد أن يحقق كل الآمال التي يعيشها فراد العائلة فرداً فرداً. وتترجمها على حلبة الواقع العملي.. التعاون لابد أن يجسد كل الأماني التي تدور في سراب الأفكار، فتمثلها مجسمة نابضة بالحياة.

– الثالث: تبادل الاحترام، والتوقير، والإحسان، سواءً من جانب الصغير للكبير، أو من جانب الكبير للصغير، فإن الاحترام، والإحسان يزرعان بذور الشعور بالشخصية، ويغرسان أوتاداً توطد العلاقات الأسرية بين الأفراد فعلى الوالدين أن يرحما الأولاد. لكي يحترمهما الأولاد من جانبهم. وكذلك على الأبناء أن يحترموا الآباء ويحترم أحدهم الآخر.

ويؤكد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) على هذه الناحية بقوله: (وقروا كباركم، وارحموا صغاركم)

كما يؤكدها الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بقوله: (وارحم من أهلك الصغير، ووقر الكبير).

والإسلام يبني علاقات الأسرة على أساس من (الإحسان المتبادل) بين الزوج والزوجة، والزوج والأولاد، والزوجة والزوج، والزوجة والأولاد. ويحدد القرآن الحكيم طرقاً من هذه العلاقة النبيلة حيث يخط ضمن آية من آياته:

(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ألا تَعْبُدوا إِلاّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) (سورة البقرة: 83).

وهو يرفض ـ حينما يرسم العلاقات الأسرية ـ أن ينشأ التنافر، والتضجر بين أفراد العائلة، أو ينبت التذمر، والابتعاد فيحرض دائماً أن يقيم الأولاد علاقاتهم على أساس العطف والحنان والاحترام والإحسان. فيخط القرآن:

(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (سورة بني إسرائيل: 23).

– الرابعة: إطاعة الأب من قبل جميع أفراد العائلة لأنه يمثل النقطة المركزية في الأسرة، ولأنه أعرف ـ بحكم تجاربه وثقافته ـ بالمصالح الفردية والاجتماعية لكل واحد منهم، وطبيعي أن الإسلام يقرر الطاعة للأب في حدود طاعة الخالق فلو تمرد الوالد على مقررات النظام العام وشذ عن حدود العقيدة وأطر الاعتدال، وراحت أوامره تنغمس في رافد مصلحي شخصي، فلا يجوز للأولاد أو الزوجة إطاعته في الأمور العقائدية والدينية. لأن أوامره لا تحمل حينذاك أية مصونية تقيها من الظلم والعصيان والتمرد. يصرح بذلك القرآن الحكيم قائلاً:

(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) (سورة لقمان: 15).

فهنا تنقطع العلاقات العقائدية والعملية بينهما، أما علاقات الحب والعطف والود والإحسان، فيجب أن تطبع سرة الأولاد مع الأب حتى المنحرف فكرياً، لئلا تنهار الأسرة.

– الخامسة: قيام الولد بواجب النفقة، وتجهيز الملبس، والمسكن للزوجة والأولاد في مقابل قيمومته عليهم. فإن كل هذه الأسس توطد علاقات أفراد العائلة وتربطهم الواحد بالآخر أكثر.. فأكثر.. وتجعل منهم جسداً واحداً إذا بكى عضو منه، بكت بقية الأعضاء، وإذا أصيب عضو منه بمأساة، تعاونت معه بقية الأعضاء لرفعها.

– السادسة: عندما يقرر الإسلام حقوق الأب باعتباره سيد الأسرة، لا ينسى أن يضع بين يديه قائمة عن الحقوق المفروضة عليه تجاه أفراد العائلة: الأولاد والزوجة على حد سواء، لكي تتوطد العلاقات الزوجية والروابط العائلية وتبنى على أساس العدالة والمساواة.

فالأب إنما هو كموظف وكلت إليه إدارة (مؤسسة العائلة) ضمن حقوق وواجبات معينة. وعليه مسؤولية تشغيل وإصلاح هذه المؤسسة البشرية في إطار تلك الحقوق والواجبات، والإمام علي بن الحسين (عليه السلام) يرسم للأب واجباته وحقوق الآخرين حينما يقول:

(وأما حق ولدك: فتعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته، من حسن الأدب والدلالة على ربه، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذّر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه، ولا قوّة إلا بالله) (بحار الأنوار: ج74، ص15).

وهكذا.. يقيم الإسلام علاقات الأسرة على أساس وطيد، ويرسم لها قوانين ومناهج تلتقي على خط المساواة والعدالة. لكي تغمر السعادة حياتها. ولكي تسير نحو ينابيع الهناء، والسلامة.

يزااج الله الف خير

واياااااااااااااااااااااااج انشاءالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.