عندما يريد علماء الاجتماع والنفس توضيح من هم الإنسان فإنهم يقولون بأنه "كتلة من المشاعر". وهذا الإنسان عندما يتعامل مع الأشياء والمواقف والناس فإنه يتعامل من خلال "أحب كذا" و"لا أحب كذا".
وعندما تتلاقى الأجساد وتتآلف الأرواح تتولد بينها مشاعر الحب والراحة. ومع مرور الأيام ووجود العشرة تزداد هذه المشاعر لتأخذ مستوى أعلى يصل للود.
لفهم هذا الأمر، هب أن ضيفاً أتاك ذات مرة، فإن استقبالك له سيكون فيه الترحيب وإظهار الفرح بوجوده، وسيستمر معك هذا الأمر ثلاثة أيام، ومع تكرار مجيئه إليك سيأتي يوم عليك لا تظهر له ذلك الترحيب السابق، ومن لا يدرك الأمر سيعتقد أنك لا ترغب بوجود الرجل، وهذا أمر غير صحيح، والحقيقة أن حبك له ارتقى من الظاهر (الخارجي) إلى العمق فاعتبرت انه أصبح "صاحب البيت" (كما يقول الشاعر: يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا … نحن الضيوف وأنت أهل المنزلي).
ففي هذه المرحلة تقل كلمات الحب وتزداد أفعالها ومشاعرها العميقة وفيطلق عليه الود، ولفهم درجة الحب والود، خذ هذا المثال: إذا رأيت شخصاً للمرة الأولى واستحسنته (دخل مزاجي، دخل قلبي)، فأيهما صحيح؛ أن أقول "أنا أحببته" أم "أنا أوده"؟
طبعاً الأولى، لأن الود يأتي بالعشرة التي ملئت حباً.
إن هذه مرحلة (الود) لا تمنع من ظهور عبارات الحب ونظراته وسلوكه، وهذا يظهر إذا حدث لأحدهم شيء يقلق، أو أمر جبل أو الابتعاد لأمر ما كالسفر الطويل، فيظهر الآخر مشاعر المحبة التي تأتي أعمق من حالتها في المهد، وهذا الأمر لا يدرك عند من لم يعش حقيقة مشاعر الحب أو العشرة الجميلة.
الجدير بالذكر، أن لنظام الحياة وأسلوب التعامل في أي مجتمع أثر على فعالية الهرمونات في جسم الإنسان (كتأثير الهم والحزن والقلق وغيرها)، ولذا إذا تميز ومجتمع بالقسوة أو اللين، بالحب والاهتمام أو الجفاء فإن نظام الجسم يتأثر بالفكر والمشاعر السائدة عند أفراد المجتمع، ومن هنا فإن مشاعر الود عند الغالبية من الأجانب لا تأخذ العمق الذي تأخذه في نفوس العرب. لوجود عند العرب ما يحييها من مشاعر وفكر العشرة والاحترام والتقدير والاهتمام والامتنان وغيرها الناتجة عن القيم والروابط وصلة الرحم وغيرها التي يتمسك بها غالبيتهم. لقد عشت في بريطانيا ورأيت كيف أن الحياة الزوجية مبنية على تعامل غريب بالنسبة لي، كأنني أعيش في شركة يقودها طرفان، لكل واحد منهم مهام وظيفية مع وجود شيء من الألفة، ليست كما هو الحال عند غالبية العرب ومفهومهم لقيمة الزوج والزوجة والأسرة، والشعر العربي مليء بمشاعر الحب والود والهيام بين الأحبة التي جاء الإسلام ووضع لها نظامها، بالإضافة إلى قصص الحب الكثيرة بين الأزواج، وهناك أحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام تبين أن الحب موجود بين الزوجين، ويكفينا يا أولي الألباب أن المرأءة خلقت من ضلع صدر الرجل الذي وظيفته حماية قلبه منبع مشاعر الحب، فهي تحتاجه وهو يحتاجها.
لا تقلقي سيدتي، فاستمري بتدفق مشاعر حبك مهما بلغت من السن عتيا، ومهما بلغ عمر زوجك. واعلمي أن وفقا لقانون الارتداد أنك تقدير إحياء أي مشاعر جميلة في قلب زوجك طالما منحتيه إياها بقوة. وأنت عزيزي الزوج، مهما بلغ ودك لزوجتك فاسمعها لصوت قلبك لانها تحن لموضع أصلها، فقد كانت تسمه كل ثانية، قلت لها: "أحبك حبيبتي" لتقطع بها وساوس الشيطان، وتبقى على أجواء أسرتك صحية.
تقبلوا تحياتي
عبداللطيف العزعزي
خبير شؤون الأسرة وتربية الأبناء
(مؤلف كتاب "بصمة الأحداث وذاكرة الجسد" الحائز على جائزة أفضل كتاب إماراتي لمؤلف إماراتي عام 2024)
24/5/2015