السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رفاهية (الملل)
هناء رشاد
مقالات متعلقة
جاءتني زوجة شابَّة تشكو مِن مَلَل الحياة وروتينها، الذي يقتل فيها الحماسة لعمل أيِّ شيء، فاليوم صورة مُكَرَّرة منَ الأمس، والأمس يحمل نفس ملامح الغد، نفس الأعباء اليومية ونفس الوجوه، حتى الكلمات ليس بها جديد، وزوج صامت لا يتحدَّث إلا ليلقي الأوامر اليوميَّة المملَّة، وأطفال مشاكسون لا يتركون لي فرصةً للراحة، لا جديد تحت السماء، نفس الشمس، نفس ضجيج السيارات، نفس الوجوه المتجهمة، وتسألني: كيف أخرج من طوق هذا التكرار الذي أهرب منه بالنوم؟ أكاد أختنق.
فسألتها: هل مَرَّ بخاطركِ يومًا حالُ أمٍّ من غزة، تجهر كل يوم بالحمد، رغم أنها فقدتْ كل شيء؟! فقدت الزوج الذي تسأمين منه، والأولاد الذين تعانين ضجيجهم، وأصبح كل ما تتمَنَّاه هو جدار تتَّكئ عليه، أو وسادة تضع عليها رأسًا مثقلة بالأحزان، أو وجبة ساخنة تقوم بإعدادها بيديها لصغارها الذين قُتل نصفهم.
هل تشعرين بالنَّعيم الذي ترفلين فيه، دون أن ينطق لسانك بالحمد وآيات الشكر؟!
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن بات آمنًا في سربه، معافى في بدنه، لديه قوت يومه – فكأنما حيزتْ له الدنيا بأسرها))، وبناء على هذا الحديث الكريم، فأنتِ في نعمة كبيرة، قد لا تجدها امرأة مكلومة في ابنها في العراق، أو أرملة في فِلَسْطين، فالمرأة هناك لا وقت لديها لتدركَ هل الأيام متشابهة أو لا؟ ولا يعنيها، فهَمُّها أكبر من تلك الرفاهية.
اسألي المكلومين والمُعَذَّبين والفقراء وملتحفي العراء، اسألي مُرتادي المستشفيات، اسألي المغتربين عن أوطانهم، البعيدين عن أبنائهم دون تبرُّم أو شكوى؛ بل تُتَمتِم أفواههم بالحمد والشكر؛ طاعة وعرفانًا بفضْل الله عليهم؛ أنْ مَنَّ عليهم بنعمة العمل، اسأليهم: هل أنتم في نعمة؟
حتمًا سيكون جوابهم: نعم، نعمة كبيرة.
كيف لم تدركي أنكِ في نعمة كبيرة؟! كيف لا تشكرين الله كلَّ يوم عليها، أن لك بيتًا وزوجًا وأطفالاً يملؤون حياتك؟!
عزيزتي:
المسلم لا يشعر بالملل؛ فهو في شُغل كل يوم، إما برعاية محتاج، أو أداء فريضة، أو مساعدة محتاج، أو صلة رحم، أو حفظ ما تَيَسَّرَ من آيات الله، أو متمتمًا ومتمتِّعًا بذكر الله.
أين صلاتك تشغلك؟! أين وِرْدُك اليومي؟! أين ما لَذَّ وطاب تصنعينه بنفس راضية وحبٍّ لمن يحيطونك بالودِّ، ويملؤون عليكِ بيتك؟!
أيتها المرفهة:
اصعدي إلى إحساس هؤلاء، ابحثي لكِ عن جمعية نسائية تهتم بالأرامل والمطلَّقات والفقيرات، شاركيهم محنهم، وحاولي أن تُخَفِّفي عنهن، بدلاً من هذا التملمُل الذي يحسدك عليه الكثيرات، احمدي الله على هذا الزوج الصامت، وفكِّري في أزواج يتكلَّمن بالأذرع، ويكيلون اللكماتِ لزوجاتهن، ويحولون حياتهن جحيمًا لا يُطاق، ويَتَحَمَّلن من أجل أبنائهن.
احمدي الله على نعمة الأبناء، فقد حُرِم غيرُك من نعمة التمتُّع بصخبهم الذي تشتكين منه، تمتمي بالحمد قبل أن تزول نعمة (الملل)، وتندمين عليها.